الوفاء العظيم ... تأليف مصطفى محمدى
الوفاء العظيم
==========
سهاد طفلة في العاشرة من عمرها ، تعيش مع أمها و أبيها في منزل صغير حياة سعيدة هنيئة ، كانت طفلة مجتهدة في دراستها ، محبه لأسرتها ، مطيعة للكبار ، حريصة على الصلاة في أوقاتها ، و كانت تحب جدها العجوز الذي يقيم معهم كثيرا و تقضي معه معظم وقتها ، يتجاذبان أطراف الحديث و يتسامران و يتضاحكان .
في أحد الأيام بعد أن انتهت سهاد من واجباتها المنزلية ، و أنهت جميع ما عليها من دروس ، ذهبت كعادتها إلى غرفة جدها و سلمت عليه و جلست معه تحدثه عما تعلمته في المدرسة من أمور ..
دخل والد سهاد على والده و ابنته ثم ألقى التحية عليهما ثم جلس نائيا والتزم الصمت لفترة قصيرة و كأن أمرا ما يشغل باله ،
سأله الجد برفق :
- ما بك يا ولدي تبدو منشغل البال .. هل هناك ما تود أن تخبرني به ؟
رد أبوسهاد : الحقيقة يا أبي أنني أراك وحيدا طوال الوقت .. و أخشى أن تسبب لك هذه العزلة الحزن و الاكتئاب ،;كذلك لا يوجد لك أصدقاء تتبادلون مع بعضكم البعض الزيارات والأحاديث ؟
استغرب الجد و استغربت سهاد من هذا السؤال ، فهذه هي المرة الأولى التي يطرح الوالد فيها هذا الموضوع .
قال الجد : ماذا تحاول أن تقول يا بني ؟
رد أبو سهاد : لقد أخبرني أحد أصدقائي عن مكان يجتمع فيها الكثير من الشيوخ و الرجال للسمر و تكوين الصداقات و الترويح عن النفس بالأحاديث اللطيفة .. فما رأيك لو ذهبنا غدا إلى هناك ؟
بدا الأمر لسهاد غريبا مثيرا للشك ، فهى لم تسمع بهذا المكان من قبل ، إلا أن الجد أبدى حماسة شديدة لهذا الأمر الذي بدا له مشوقا و مثيرا ..
قال الجد و الحماسة تلمع في عينيه : خذني إليه غدا يا ولدي إن استطعت.
ابتسم أبو سهاد ابتسامة غريبة و قال : حسنا
و لكن سهاد .. ساورها الشك بخصوص هذا المكان .. فلماذا يكون سره يا ترى ؟
قالت سهاد لأبيها : هل تأذن لي بمرافقتكم يا أبي ؟
تجهم وجه الأب و قال : لا يمكنك أن تأتي معنا ، الأفضل لك ان تذاكرى دروسك ..
هنا تدخل الجد بهدؤه المعتاد قائلا : يمكنك أن تأتي معنا يا صغيرتي لكن إذا أنهيت دروسك مبكرا .
و هكذا كان .. حرص سهاد على أن تنهي واجباتها و دروسها بسرعة ، وعندما حان موعد الانطلاق كانت سهاد أكثرهم استعدادا و فضولا لكشف سر هذا المكان الذى تحدث عنه والدها .
و ركب الثلاثة السيارة و انطلقوا في طريقهم للمكان المجهول، كان الجد أكثرهم سرورا ، و كانت سهاد قلقة و يكاد الفضول يقتلها ، في حين كان الأب – و يا للعجب – متوترا عصبيا منزعجا .. ترى ما السبب ؟
كانت الطريق التي سلكتها السيارة طويلة جدا ، و لكنهم وصلوا أخيرا ..
و فعلا ، رأت سهاد المكان الذى تحدث عنه والدها ، و كان عبارة عن منزل أو "دار" فيها الكثير من الشيوخ و العجائز الذين سرعان ما تعرف الجد على معظهم فالكثير منهم يعرفه والبعض الآخر جيران له فى الماضى .. فوجد الجد مكانا بينهم ، و كانت هناك لافتة كبيرة معلقة على باب الدار كتب عليها بخط أسود عريض (( دار المسنين )).
دهشت سهاد مما رآت ، هل كان والدها يقصد التخلص من الجد العجوز بنقله إلى هذه الدار ؟ هل يعقل ذلك ؟ لماذا يتخلى الإبن عن أبيه الذي لم يتخلى عنه قط ؟
تساؤلات حائرة ثارت في عقل سهاد التى تملكها القلق الشديد و الخوف على جدها المسكين ، أما بالنسبة للأب فما إن رأى أن الجد قد استقر في مكانه و انغمس في الحديث مع غيره حتى شد سهاد من يدها و غادر الدار .. !
أدركت سهاد أن والدها يريد التخلص من الجد العجوز ، و سرعان ما فكرت بطريقة ذكية لإنقاذ جدها .. و لكن الوقت لا يسعفها ، فسرعان ما انطلقت السيارة بها و بوالدها تشق طريقها مسرعة إلى المنزل .
كان الأب متوترا و كأنه يتحاشى خوض حديث مع ابنته التي بادرت و سألت :
- أبي .. أين جدي ؟
- تركناه في الدار .
- لماذا ؟
- لأنها مكان الكبار .
لزمت سهاد الصمت لبرهة ثم قالت : أبي .. ما اسم هذا الشارع ؟
رد الأب بضجر : شارع السعادة
- و ما اسم هذه المنطقة ؟
- منطقة الشهيد
- و ما اسم؟؟؟؟
قاطعها الأب بحدة و صرخ فيها : أما من نهاية لهذه الأسئلة السخيفة ! لماذا تسألى عن هذه الأمور ؟!
ردت سهاد بهدوء و دهاء : أريد أن أسأل عن العنوان حتى أحضرك إلى هنا عندما تكبر كما أحضرت جدي ، أولم تقل بأن هذا مكاناً للكبار ؟
هنا أصيب الأب بذهول شديد حتى أن عجلة القيادة اختلت من يده فاضطر إلى إيقاف السيارة بجانب الطريق و راح ينظر لابنته بدهشة ولسان حاله يعجز عن الكلام أو الرد على ابنته فماذا يقول ..
و فوجئت سهاد بأبيها يغطي وجهه بيديه و يبكي أسفاً و ندما و هو يردد سامحني يا أبي!!!!!
هنا خافت سهاد من بكاء أبيها و لكنها أدركت أنه ندم على تخليه عن أبيه في كبره و إلقائه في دار للمسنين ، فما كان من سهاد الا أن وضعت يدها على كتف أبيها وقالت : أبي .. أرجوك .. لنعد إلى جدي و نأخذه معنا إلى البيت .
فلم يملك الأب أمام براءة سهاد و نقاء قلبها و برها بجدها إلا أن ينفذ ما طلبته منه ، فعاد الأب و قبل يد والده ندما حتى الجد وقف مذهولا مما يحدث فلماذا جاء ولما عاد! فقاطع الأب الجميع وشرح لوالده كيف تعلم من سهاد الذكية ذات العشرة سنوات شيئا ، و هو وجوب البر و الوفاء للآباء ..
قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم " و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا".صدق الله العظيم.