المواطن مصرى جداً .. تأليف مصطفى محمدى
محمد عبد الجواد شاب مصرى ولد لأسرة فقيرة أب يعمل ملاحظ فى السكة الحديد وأم لا تعمل له أربعة أشقاء ولدان وبنتان ومحمد يتوسط الولدان .
تدرج محمد فى التعليم حتى نال شهادة الثانوية الصناعية قسم خراطة ثم خدم فى الجيش لمدة عامين خرج بعدهما تائه بين ورش الخراطة المنتشرة فى محيط سكنه.
كان حلمه أن يساعد والده ويرد له الجميل ويقف إلى جواره فى تربية بقية أخواته لكن دائما ما كانت العقبات تقف حائلاً لتحقيق حلمه .
فكر محمد كثيرا ماذا يفعل سيبقى هكذا يوم يعمل وأياماً بلا عمل حتى سمع عن الصندوق الاجتماعي لرعاية المشروعات الصغيرة فقرر على الفور التوجه إليه .
عندما ذهب محمد للصندوق واجه عقبات أخرى شديدة فسمع عن دراسات الجدوى والضمانات وأشياء كثيرة ولا يملك هو وأسرته من حطام هذه الدنيا غير منزل مكون من طابقين تعيش فيه الأسرة.
عاد محمد إلى والده وأخبرة أنه ينوى عمل قرض ليفتح مشروعاً تجارياً يساعده على تحقيق حلمه فى الحياة وكذلك يساعد والده فى نفقات المعيشة و مساعدة بقية أخواته وأنه قرر عمل ورشة خراطة فى الطابق الاول من المنزل وسوف يشترى ماكينة خراطة حديثة بالقسط وبعض المستلزمات للبدء فى المشروع وكل ما يحتاجه هو موافقة والده على وضع البيت رهينة أو ضمان لهذا القرض .
فرد عليه والده يا محمد يابنى أنت عارف ان الحمل عليه تقيل جداً ولا املك شيئاً غير هذا المنزل لكن أنا واثق فى ربنا ثم فيك بأنك سوف تقدر هذه المسئولية كفاية العذاب اللى بأشوفه فى أخوك الكبير طول النهار نايم وطول الليل قاعد على القهوة لا شغلة ولا مشغلة لكن انت ربنا يحميك علشان كده أنا موافق يابنى على كل اللى انت عاوزه وقام الوالد وأحضر الأوراق الدالة على ملكية المنزل واعطاها لمحمد .
ذهب محمد مرة أخرى للصندوق واعطاهم صوراً لأوراق المنزل كذلك دراسة جدوى لمشروعه .. وهنا أخبره المسئولون بالصندوق أن يمر عليهم بعد أسبوعان لدراسة مشروعه والتأكد من صحة الأوراق .
استغل محمد الاسبوعين فى التنقل بين ورش الخراطة الكبرى لمعرفة أحدث الماكينات واسعارها وامكانياتها وأماكن توزيعها كذلك ذهب لجميع ورش ومراكز خدمة السيارت للتعرف على احتياجاتهم والعقبات التى يواجهونها من قبل ورش الخراطة هكذا قام محمد بمجهود كبير من قبل ان يعلم ان مشروعه ستتم الموافقة عليه من عدمه.
عاد محمد مرة أخرى للصندوق وكله امل فى الله أن يقف إلى جواره ..وكم كانت فرحته شديدة عندما علم بأن الموافقة قد تمت على مشروعه .. واخذ مسئول الصندوق يقدم لمحمد العديد من الأوراق للتوقيع عليها كذلك أخذ منه أصول بعض الأوراق ثم اخبره بأنه يتوجب عليه العودة مرة أخرى لاستلام الشيك بعد ثلاثة أيام.
خرج محمد من الصندوق يكاد قلبه يقفز من مكانه من شده الفرح وعاد إلى المنزل وأخبر الجميع بما حدث فى الصندوق فما كان من أمه إلا أن أطلقت زغرودة جميلة وأخذ الجميع يدعو له بالتوفيق .
جلس محمد مرة أخرى مع ابيه وطلب منه بأن يسمح له بفتح حجرتين بالطابق الأرضى ليستغلهم فى إقامة مشروعه فوافق الوالد وقام بإعطائه خمسمائة جنيها ليقوم بأعمال الكهرباء والدهانات فشكره محمد كثيرا وقام بتقبيل يده طالبا دعواته من أجل التوفيق .
فى الصباح قام محمد ومعه أخوه الكبير بالعمل فى إعداد الغرفتين من حيث التجهيزات الكهربائية و تكسير الحوائط ثم ذهب محمد لشركة الكهرباء للتعاقد على عداد كهربائي بحجم كبير يكفى لتشغيل ماكينة الخراطة ثم عاد مرة أخرى لاستكمال ما بدأه مع اخاه.
ومرت الثلاثة أيام ومحمد كاد أن ينتهى من جميع قام به من أعمال تجهيزية للمشروع .
فى اليوم الرابع ذهب محمد إلى الصندوق لاستلام شيك القرض وبعد أن استلمه ذهب للبنك لاستلام النقود.
وهكذا أصبح محمد يمتلك مبلغ وقدره خمسون ألف جنيها هم النواه للبدء رحلة كفاح جديدة رحلة تحدى لإثبات الذات وعدم الالتجاء إلى الوظيفة الحكومية الروتينية أو أصحاب الورش الذين يعملون يوماً ثم يجلسون بلا عمل أياماً أخرى.
لجأ محمد إلى إحدى الشركات الخاصة للبحث عن غايته ماكينة خراطة حديثة تساعدة فى إنجاز أحلامه وتم ذلك ودفع مبلغ أربعون ألف جنيها قيمه ماكينة الخراطة واشترى بالباقى بعض احتياجات ومستلزمات التشغيل وعاد إلى المنزل ليبدأ رحلة تركيب ماكينة الخراطة .
مر أسبوعان وقد انتهى محمد من كافة أعمال التجهيز وأصبح المكان مهيأ للعمل وطلب من أخيه الأكبر أن يقف معه ويساعده بدلاً من أن يأتى أخر وفى كلتا الحالتين سيقوم محمد بعملية التعليم.
بدأ محمد بتعريف نفسه لجميع ورش إصلاح السيارات بالمنطقة المحيطة بسكنه والمناطق الأخرى فى رحلة أشد مرارة حيث كان رد الجميع بأن لهم ورش يعملون معها .
مر شهران ولم يقم محمد بعملية واحدة حتى تسرب اليأس إلى قلبه ماذا يفعل هكذا أصبح الحلم سراباً رهن منزل والده وأصبح عليه ديون ماذا يفعل .
ذات يوم جاءه صاحب إحدى الورش طالبا منه أن يقوم ببعض أعمال الخراطة فى موتور سيارة حديثه وهذا العمل يتطلب رجل ذو خبرة طويلة .. تمسك محمد بالفرصة وطمئن الرجل وقال له بأنه سيجد أكثر مما يطلب .. .فطلب منه صاحب الورشة سرعة إنجاز هذا العمل فى أقرب وقت لأن صاحب السيارة مستعجل جداً.
قام محمد بكل همة ونشاط بتنفيذ العمل المكلف به بخبرة ومهارة شديدة حتى عندما عاد صاحب الورشة لاستلام العمل أعجب جداً بمحمد وقال له أين كان مختفياً طوال هذه الفترة ولم يسمه به أحداً... فوعده بأنه سيقوم بتنفيذ جميع الأعمال التى تكلف بها ورشته وانصرف الرجل بعد أن أعطى محمد المبلغ المتفق عليه بل من شدة أعجابه بما قام به محمد أعطاه أكثر بكثير .
أمسك محمد بأول ثمار يجنيها من زرعته وكم كان سعيداً بها فقرر على الفور أن يترك جزء من المبلغ لسداد بعض من الدين أما الباقى فقام بإعطاء جزء منه لوالده والآخر مرتب لأخيه ومرتب له.
لم تمر أكثر من أربعة شهور حتى ذاع صيت محمد وأصبح العمل بورشته كثير جداً على المكان فاستأذن والده بأنه سوف يترك الطابق الأرضى للبحث عن مكان أخر أوسع .
هكذا بدأ حلم محمد الصغير يتحقق بل بتوفيق من الله أصبح أكثر مما كان يحلم وبدأ يستقدم العديد من العاملين للقيام بالعمل فى ورشته الجديدة .
وبمرور خمس سنوات كان محمد قد سدد قيمة القرض وأعاد أوراق ملكية المنزل لوالده مرة أخرى وأصبح يعمل من حر ماله الخاص .
لم ينسى محمد اسرته فكان يقوم بمساعدة والده فى نفقات المعيشة كذلك مساعدة أخاه الأكبر حيث كان يستقطع جزء من راتبه للقيام ببناء شقة له فى المنزل ليتزوج وبها حتى أنجز المهمة وتزوج أخاه كذلك اخوته الذين فى مراحل التعليم المختلفة كذا أخته والتى قام بتجهيزها استعداداً لزفافها.
ذات يوم طلب والد محمد منه بأن ينظر لنفسه بأن يقوم ببناء شقة أخرى له ويكمل نصف دينه ويرزقه الله ببنت الحلال التى تستكمل معه رحلته فى الحياة فوعد أباه بأنه سوف يفكر فى الأمر جلياً.
أعجب محمد ببنت الجيران وتقدم لخطبتها فوافق أهلها على الفور وتم الاتفاق على تجهيزات الزواج كاملة وبدأ محمد فى تنفيذ ما وعد أباه به .
كل هذا ومحمد لا يكل ولا يمل يقضى الساعات فى ورشته لإنجاز الأعمال بيده ولا يترك الأمر لمساعديه فسمعته بناها بيده ولا يتحمل أن ينهار نجاحه من أجل أي شىء.
استطاع محمد أن يحصل بتأشيرتي حج من أحد عملائه وقام على الفور بإبلاغ والداه بأنه ينوى سفرهما لقضاء فريضة الحج عرفانا منه بالجميل فشكراه ودعا له بالتوفيق فنعم الابن البار.
اصبح اسم محمد يتردد فى جميع الأماكن ليس على مستوى أصحاب ورش السيارات بل على جميع المستويات فما من عمل يراد به خيراً لوجه الله إلا واسمه مقترناً به لأنه يحب المتاجرة مع الله فمن يتاجر مع اللى لا يخسر أبداً.
استعد محمد لبداية مرحلة جديدة من حياته حيث تم زفافه على من أحبها قلبه ودخلا عش الزوجية ... فقد كان محمد خلال فترة خطوبته يعلن لخطيبته صراحة بأن مهما حدث لن يستطيع الاستغناء عنه أهلة أو الهروب منهم فهم كل حياته وجميع نجاحاته بفضلهم وكان ردها دائما عليه بأنها تحب فيه ذلك وسوف تكون معه فى كافة ما يعمل .
ولم تمر سنة إلا وأصبح محمد أبا لأحمد الصغير .. ومنذ ولادته تعهد أمام الله بأنه سوف يوهب هذا الولد لخدمه دين الله ولن يبخل عليه فى شىء.
وبمرور السنوات أصبحت أعمال محمد دائما فى ازدياد وأصبح له أكثر من ورشة خراطة يشرف عليها كلها بنفسه ولا يترك شىء إلا وعمله بيده .
قام محمد بشراء قطعة أرض مساحتها كبيرة وبناها منزلاً جديداً للأسرة وقام بتجهيزها وقام الجميع بالتنقل إلى المكان الجديد مع الإبقاء على المنزل القديم ..
تخرج أخوة محمد من مراحل التعليم المختلفة واحتذى البعض بأخيهم محمد وقام كل منهم بعمل مشروع خاص به ساعدهم محمد بالتمويل .
عاش محمد حياة هنيئة مع أسرته الكبيرة وأسرته الصغيرة وأخذ يروى حكايته للجميع كيف كان وكيف أصبح .. محققاً قول الشاعر:
فما نيل المطالب بالتمنى
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا